والآخرة : مؤنث الآخرِ، و ﴿ الأولى ﴾ : مؤنث الأوَّل، وغلب لفظ الآخرة في اصطلاح القرآن على الحياة الآخرة وعلى الدار الآخرة كما غلب لفظ الأولى على حياة الناس التي قبل انخرام هذا العالم، فيجوز أن يكون المراد هنا من كلا اللفظين كِلا معنييه فيفيد أن الحياة الآخرة خير له من هذه الحياة العاجلة تبشيراً له بالخيرات الأبدية، ويفيد أن حالاته تجري على الانتقال من حالة إلى أحسن منها، فيكون تأنيث الوصفين جارياً على حالتي التغليب وحالتي التوصيف، ويكون التأنيث في هذا المعنى الثاني لمراعاة معنى الحالة.
ويومىء ذلك إلى أن عودة نزول الوحي عليه هذه المرة خير من العودة التي سبقت، أي تكفل الله بأن لا ينقطع عنه نزول الوحي من بعد.
فاللام في "الآخرة" و ﴿ الأولى ﴾ لام الجنس، أي كُلّ آجل أمره هو خير من عاجله في هذه الدنيا وفي الأخرى.
واللام في قوله :﴿ لك ﴾ لام الاختصاص، أي خير مختص بك وهو شامل لكل ما له تعلق بنفس النبي ﷺ في ذاته وفي دِينه وفي أمته، فهذا وعد من الله بأن ينشر دين الإِسلام وأن يمكِّن أمته من الخيرات التي يأملها النبي ﷺ لهم.
وقد روى الطبراني والبيهقي في "دلائل النبوءة" عن ابن عباس قال :" قال رسول الله ﷺ عُرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني فأنزل الله تعالى :﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)
هو كذلك عطف على جملة القسم كلها وحرف الاستقبال لإفادة أن هذا العطاء الموعود به مستمر لا ينقطع كما تقدم في قوله تعالى :﴿ قال سوف أستغفر لكم ربي ﴾ في سورة يوسف ( ٩٨ ) وقوله :﴿ ولسوف يرضى ﴾ في سورة الليل ( ٢١ ).
وحذف المفعول الثاني ليعطيك } ليعمّ كل ما يرجوه ﷺ من خير لنفسه ولأمته فكان مفاد هذه الجملة تعميم العطاء كما أفادت الجملة قبلها تعميم الأزمنة.