وقد اختارَ النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَصلَ هذه اللغة فيما رَوَى عنه
ابنُ عبّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّه قرأَ :﴿ما وَدَّعَك رَبُّكَ وما قلىَ﴾ بتخفيف الدَّال، وكذلك قرأَ بهذه القِراءَة عُرْوة ومُقاتل وأَبو حَيْوَةَ، وأَبو البَرَهْسَم وابنُ أَبِى عَيْلَةَ ويَزِيدُ النَّحْوَىّ.
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم :"لَيَنْتَهِيَنَّ أَقوامٌ عن وَدْعِهِم الجُمُعات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ الله على قُلُوبهم ثمّ لَيكُونُنَّ من الغافِلين"، وقرأَ الباقون ما وَدَّعك بالتشديد، أَى ما تَرَكك من اخْتارَك، ولا أَبْغَضَك منذ أَحَبَّك.
وفى الحديث :"إِذا لم يُنْكِرِ الناسُ المُنْكَرَ فقد تُوُدِّع منهم" أَى أُسْلِمُوا إِلى ما استحقُّوه من المنكر عليهم، وتُرِكُوا [و] ما استَحبُّوه، من المَعاصى حتى يُكْثِرُوا منها فيَستوجِبُوا العقوبةَ.
وفى الحديث :"دَعْ داعِىَ اللَّبَن" أَى اتركْ منه فى الضَرْع شيئا يَسْتَنْزِلُ اللَّبَنَ.
ووادَعَ بَنِى فُلان : صالَحَهُم.
والتَّوْديع عند الرّحيل معروفٌ، وهو تخليف المسافِرِ الناسَ خافِضين وادِعين، وهم يُوَدِّعُونَه إِذا سافَر تَفاؤلاً بالدَّعَة التى يصير إِليها إِذا قَفَل، أَى يتركونه وَسَفَره، قال الأَعشى :
*ودِّعْ هُرَيْرَة إِنَ الرَكْبَ مُرْتَحِلْ * وهَلْ يُطِيقُ وَداعاً أَيّها الرّجُلُ*
واستَوْدَعْتُه وَديعَةً : استْحْفَظْتُه إِيّاها قال :
*اسْتُودِع العلْمَ قرطَاسٌ فضَيَّعَه * فِبئْسَ مستودَعُ العِلْم القَراطيسُ*
وقوله تعالى :﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ أَى مستودَعٌ فى الصلب فى وقيل فى الثَّرَى.
والمُسْتَوْدَعُ فى قول عبّاس بن عبد المطَّلب رضى الله عنه :
*مِنْ قَبْلِها طِيبَ فى الظِّلال وفىِ * مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ*
المكانُ الذى جُعِلَ فيه آدم وحَوّاءُ عليهما السلام من الجنَّة واستُودعاهُ، وقيل : الرَّحمُ. أ هـ ﴿بصائر ذوى التمييز حـ ٥ صـ ١٨٦ ـ ١٨٩﴾