فاعلم أن بعض الناس ذهب إلى أنه كان كافراً في أول الأمر، ثم هداه الله وجعله نبياً، قال الكلبي :﴿وجدك ضالاً﴾ يعني كافراً في قوم ضلال فهداك للتوحيد، وقال السدي : كان على دين قومه أربعين سنة، وقال مجاهد : وجدك ضالاًّ عن الهدى لدينه واحتجوا على ذلك بآيات أخر منها قوله :﴿مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وقوله :﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾ [ يوسف : ٣ ] وقوله :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] فهذا يقتضي صحة ذلك منه، وإذا دلت هذه الآية على الصحة وجب حمل قوله :﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ﴾ عليه، وأما الجمهور من العلماء فقد اتفقوا على أنه عليه السلام ما كفر بالله لحظة واحدة، ثم قالت المعتزلة : هذا غير جائز عقلاً لما فيه من التنفير، وعند أصحابنا هذا غير ممتنع عقلاً لأنه جائز في العقول أن يكون الشخص كافراً فيرزقه الله الإيمان ويكرمه بالنبوة، إلا أن الدليل السمعي قام على أن هذا الجائز لم يقع وهو قوله تعالى :﴿مَا ضَلَّ صاحبكم وَمَا غوى﴾ [ النجم : ٢ ] ثم ذكروا في تفسير هذه الآية وجوهاً كثيرة أحدها : ما روي عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب : ووجدك ضالاًّ عن معالم النعمة وأحكام الشريعة غافلاً عنها فهداك إليها، وهو المراد من قوله :﴿مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وقوله :﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾ [ يوسف : ٣ ] وثانيها : ضل عن مرضعته حليمة حين أرادت أن ترده إلى جده حتى دخلت إلى هبل وشكت ذلك إليه فتساقطت الأصنام، وسمعت صوتاً يقول : إنما هلاكنا بيد هذا الصبي، وفيه حكاية طويلة وثالثها : ما روي مرفوعاً أنه عليه الصلاة والسلام قال :" ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع، كاد الجوع يقتلني، فهداني الله " ذكره الضحاك، وذكر تعلقه بأستار الكعبة، وقوله :


الصفحة التالية
Icon