فبين بهذه الآية مقدار ذلك التفاوت، وهو أنه ينتهي إلى غاية ما يتمناه الرسول ويرتضيه الوجه الثاني : كأنه تعالى لما قال :﴿وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ [ الضحى : ٤ ] فقيل ولم قلت إن الأمر كذلك، فقال : لأنه يعطيه كل ما يريده وذلك مما لا تتسع الدنيا له، فثبت أن الآخرة خير له من الأولى، واعلم أنه إن حملنا هذا الوعد على الآخرة فقد يمكن حمله على المنافع، وقد يمكن حمله على التعظيم، أما المنافع، فقال ابن عباس : ألف قصر في الجنة من لؤلؤ أبيض ترابه المسك وفيها ما يليق بها، وأما التعظيم فالمروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عباس، أن هذا هو الشفاعة في الأمة، يروى أنه عليه السلام لما نزلت هذه الآية قال : إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار، واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين، ويدل عليه وجوه أحدها : أنه تعالى أمره في الدنيا بالاستغفار فقال :﴿أَسْتَغْفِرُ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات﴾ [ محمد : ١٩ ] فأمره بالاستغفار والاستغفار عبارة عن طلب المغفرة، ومن طلب شيئاً فلا شك أنه لا يريد الرد ولا يرضى به وإنما يرضى بالإجابة، وإذا ثبت أن الذي يرضاه الرسول ﷺ هو الإجابة لا الرد، ودلت هذه الآية على أنه تعالى يعطيه كل ما يرتضيه.


الصفحة التالية
Icon