قال الشيخ ابن عاشور :
التهلكة بضم اللام اسم مصدر بمعنى الهلاك، وإنما كان اسم مصدر لأنه لم يعهد في المصادر وزن التَّفْعلة بضم العين وإنما في المصادر التفعلة بكسر العين لكِنَّه مصدرُ مضاعفِ العين المعتل اللام كزكَّى وغطَّى، أو المهموز اللام كَجزَّأَ وهيأ، وحكى سيبويه له نظيرين في المشتقات التَّضُرَّة والتَّسُرَّة بضم العين من أضر وأَسر بمعنى الضُّر والسُّرور، وفي الأسماء الجامدة التَّنْضُبة والتَّتْفُلة (الأول اسم شجر، والثاني ولَدُ الثعلب).
وفي " تاج العروس" أن الخليل قرأها (التهلِكة) بكسر اللام ولا أحسب الخليل قرأ كذلك ؛ فإن هذا لم يرو عن أحد من القراء في المشهور ولا الشاذ فإن صح هذا النقل فلعل الخليل نطق به على وجه المثال فلم يضبط من رواه عنه حق الضبط، فإن الخليل أجل من أن يقرأ القرآن بحرف غير مأثور.
ومعنى النهي عن الإلقاء باليد إلى التهلكة النهي عن التسبب في إتلاف النفس أو القومِ عن تحقق الهلاك بدون أن يجتنَى منه المقصودُ.
وعُطِف على الأمر بالإنفاق للإشارة إلى علة مشروعية الإنفاق وإلى سبب الْامر به فإنَّ ترك الإنفاق في سبيل الله والخروجَ بدون عُدة إلقاءٌ باليد للهلاك كما قيل
:... كساعٍ إلى الهَيْجَا بغير سِلاَح
فلذلك وجب الإنفاق، ولأن اعتقاد كفاية الإيمان بالله ونصر دينه في هزم الأعداء اعتقادٌ غير صحيح، لأنه كالذي يلقي بنفسه للهلاك ويقول سينجيني الله تعالى، فهذا النهي قد أفاد المعنيين جميعاً وهذا من أبدع الإيجاز. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢١٤﴾
قال الفخر :
قوله :﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة﴾ اختلف المفسرون فيه، فمنهم من قال : إنه راجع إلى نفس النفقة، ومنهم من قال : إنه راجع إلى غيرها، أما الأولون فذكروا فيه وجوه


الصفحة التالية
Icon