وفي الأمر بالإحسان بعد ذكر الأمر بالاعتداء على المعتدي والإنفاق في سبيل الله والنهي عن الإلقاء باليد إلى التهلكة إشارة إلى أنّ كلّ هاته الأحوال يلابسها الإحسان ويحفّ بها، ففي الاعتداء يكون الإحسان بالوقوف عند الحدود والاقتصاد في الاعتداء والاقتناع بما يحصل به الصلاح المطلوب، وفي الجهاد في سبيل الله يكون الإحسان بالرفق بالأسير والمغلوب وبحفظ أموال المغلوبين وديارهم من التخريب والتحريق، والعرب تقول :" ملكت فأسجح"، والحذر من الإلقاء باليد إلى التهلكة إحسان.
أهـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢١٦﴾
وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿وَأَحْسِنُوا﴾.
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ.
الثَّانِي : فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
الثَّالِثُ : أَحْسِنُوا إلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ.
قَالَ الْقَاضِي : الْإِحْسَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُسْنِ، وَهُوَ كُلُّ مَا مُدِحَ فَاعِلُهُ.
وَلَيْسَ الْحُسْنُ صِفَةً لِلشَّيْءِ ؛ وَإِنَّمَا الْحُسْنُ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ بِمَدْحِ فَاعِلِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ :﴿مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك﴾. أحكام القرآن لابن العربى حـ ١ صـ ١٦٧}
لطيفة
قال فضيل بن عياض : من كانت تحت يده دجاجة فلم يحسن إليها لم يكن من المحسنين. أ هـ ﴿تفسير السمعانى حـ ١ صـ ١٩٥﴾
قوله تعالى :﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين ﴾
قال فى التحرير والتنوير :
وقوله :﴿إن الله يحب المحسنين﴾ تذييل للترغيب في الإحسان، لأن محبة الله عبده غاية ما يطلبه الناس إذ محبة الله العبد سبب الصلاح والخير دنيا وآخرة، واللام للاستغراق العرفي والمراد المحسنون من المؤمنين. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢١٦﴾
وقال ابن عرفة :
وقوله ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين﴾ أبلغ من قوله إن الله (مع)، لأن قولك : زيد يحب بني فلان أبلغ من قولك زيد مع بني فلان لأنه قد يكون معهم ولا يحبهم، قال الله تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ.﴾ أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٥٦٤﴾
فائدة
قال السعدى :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله، وهو إخراج الأموال في الطرق الموصلة إلى الله، وهي كل طرق الخير، من صدقة على مسكين، أو قريب، أو إنفاق على من تجب مؤنته.


الصفحة التالية
Icon