وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : معنى هذه السورة من معنى السورة قبلها، وحاصل السورتين تعداد نعمه سبحانه وتعالى عليه، فإن قلت : فلم فصلت سورة ألم نشرح ولم ينسق ذكر هذه النعم في سورة واحدة، قلت : من المعهود في البشر فيمن عدد على ولده أو عبده نعماً أن يذكر له أولاً ما شاهد الحصور عليه منها بسببه مما يمكن أن يتعلق في بعضها بأن ذلك وقع جزاء لا ابتداء، فإذا استوفى له ما قصده من هذا، أتبعه بذكر نعم ابتدائية قد كان ابتداؤه بها قبل وجوده كقول الأب مثلاً لابنه : ألم أختر لأجلك الأم والنفقة حيث استولدتك وأعددت من مصالحك كذا وكذا، ونظير ما أشرنا إليه بقوله سبحانه لزكريا عليه الصلاة والسلام ﴿ولم تك شيئاً﴾ [ مريم : ٩ ] وقد قدم له ﴿إنا نبشرك بيحيى﴾ [ مريم : ٧ ] والية ﴿إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى﴾ وتوهم استبداد الكسبية في وجود الولد غير خافية في حق من قصر نظره ولم يوفق فابتدىء بذكرها ثم أعقب بما لا يمكن أن يتوهم فيه ذلك، وهو قوله :
﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً﴾ [ مريم : ٩ ] وله نظائر من الكتب وعليه جاء ما ورد في هاتين السورتين - والله أعلم - انتهى.


الصفحة التالية
Icon