ومعنى "ألم نشرح" قد شرحنا ؛ الدليل على ذلك قوله في النسْق عليه :﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾، فهذا عطف على التأويل، لا على التنزيل ؛ لأنه لو كان على التنزيل لقال : ونضع عنك وِزرك.
فدل هذا على أن معنى "ألم نشرح" : قد شرحنا.
و"لم" جَحْد، وفي الاستفهام طرف من الجحد، وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق ؛ كقوله تعالى :﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ [ التين : ٨ ] ومعناه : الله أحكم الحاكمين.
وكذا ﴿ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [ الزمر : ٣٦ ].
ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :
ألستمْ خيرَ من ركب المطايا...
وأندى العالمين بطونَ راحِ
المعنى : أنتم كذا.
قوله تعالى :﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾، أي حططنا عنك ذنبك.
وقرأ أنس "وحللنا، وحَطَطْنَا".
وقرأ ابن مسعود :"وحللنا عنك وِقْرك".
هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ].
قيل : الجميع كان قبل النبوّة.
والوِزْر : الذنب ؛ أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية ؛ لأنه كان ﷺ في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنماً ولا وثناً.
قال قتادة والحسن والضحاك : كانت للنبيّ ﷺ ذنوب أثقلته ؛ فغفرها الله له.
﴿ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ أي أثقله حتى سمع نقيضه ؛ أي صوته.
وأهل اللغة يقولون : أنْقض الحِمل ظهر الناقة : إذا سمِعت له صريراً من شدة الحمل.
وكذلك سمعت نقيضَ الرّحل ؛ أي صريره.
قال جميل :
وحتى تداعتْ بالنقيض حِبالُه...
وهَمتْ بَوانِي زَوْرِه أن تَحَطَّمَا
"بَوانِي زورِه" : أي أصول صدره.
فالوِزر : الحِمل الثقيل.
قال المحاسبِيّ : يعني ثِقل الوِزر لو لم يعف الله عنه.
﴿ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ أي أثقله وأوهنه.