والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمداً ﷺ مُقِلاًّ مُخِفًّا، فعيره المشركون بفقره، حتى قالوا له : نجمع لك مالاً ؛ فاغتم وظنّ أنهم كذبوه لفقره ؛ فعزَّاه الله، وعدد نِعمه عليه، ووعده الغنى بقوله :"فإنّ مع العسرِ يسرا" أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر ؛ فإن مع ذلك العسرِ يسرا عاجلاً ؛ أي في الدنيا.
فأنجز له ما وعده ؛ فلم يمت حتى فَتَح عليه الحجاز واليمن، ووسَّع ذات يده، حتى كان يعطى الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويُعِدّ لأهله قوت سنة.
فهذا الفضل كله من أمر الدنيا ؛ وإن كان خاصاً بالنبيّ ﷺ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى.
ثم ابتدأ فضلاً آخراً من الآخرة وفيه تأسِية وتعزِية له ﷺ، فقال مبتدئاً :﴿ إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ فهو شيء آخر.
والدليل على ابتدائه، تعرّيه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النَّسْق التي تدل على العطف.
فهذا وعد عام لجميع المؤمنين، لا يخرج أحد منه ؛ أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة.
وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة.
والذي في الخبر :" لن يغلب عسر يسرين " يعني العسر الواحد لن يغلبهما، وإنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا ؛ فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة، ولن يغلبه شيء.
أو يقال :"إن مع العسر" وهو إخراج أهل مكة النبي ﷺ من مكة "يسرا"، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل، مع عِز وشرف.
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ ﴾ قال ابن عباس وقتادة : فإذا فرغت من صلاتك ﴿ فانصب ﴾ أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك.
وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصَبْ في قيام الليل.