وقال الشيخ عبد الكريم الخطيب :
أما قوله تعالى :« ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » ـ فهذا حكم على الإنسان فى أفراده، لا فى نوعه، فالإنسان ـ كفرد ـ يولد ـ فى أىّ زمن من أزمان الحياة الإنسانية « فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » بما أودع الخالق فيه من عقل مبصر، وفطرة سليمة، ثم إن كثيرا من الناس يطفئون نور عقولهم بأيديهم، ويغتالون فطرتهم بشهواتهم، فيفسدون وجودهم الإنسانىّ ويردّون إلى عالم الحيوان، وقليل منهم يحتفظون بوجودهم الإنسانىّ ـ عقلا وفطرة ـ فيكونون شاهدا قائما على أن الإنسان ـ فى كل زمن هو خليفة اللّه فى هذه الأرض، وهو سيّد ما عليها من مخلوقات، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ».
. فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، هم الإنسان، وهؤلاء هم الإنسان الذي يتناول من ربّه أجره الإنسان كاملا فى الدنيا والآخرة، وإنه لأجر يتكافأ مع هذا الخلق العظيم الذي خلق عليه فى أحسن تقويم، لا يناله غيره من عالم الأحياء.. إنه أجر مقدّر بقدره محسوب بشرف خلقه.. أما من نزلوا عن هذا القدر وتخلّوا عن هذا الشرف، فلهم الأجر الذي هم أهله :« يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ » وهل للأنعام إلا أن تسمّن، وتذبح، ثم تكون وقودا للبطون الجائعة ؟.
إن الوجود فى تطور، وفى نماء، وهذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى :