وقال ابن عاشور :
وجملة :﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾
معطوفة على جملة :﴿ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ فهي في حيّز القَسَم.
وضمير الغائب في قوله :﴿ رددناه ﴾ عائد إلى الإِنسان فيجري فيه الوجهان المتقدمان من التعريف.
و﴿ ثم ﴾ لإفادة التراخي الرُّتْبي كما هو شأنها في عطف الجمل، لأن الرد أسفل سافلين بعد خلقه محوطاً بأحسن تقويم عجيب لما فيه من انقلاب ما جُبل عليه، وتغييرُ الحالة الموجودة أعجب من إيجاد حالة لم تكن، ولأنّ هذه الجملة هي المقصود من الكلام لتحقيق أن الذين حادوا عن الفطرة صاروا أسفل سافلين.
والمعنى : ولقد صيرناه أسفل سافلين، أو جعلناه في أسفل سافلين.
والرد حقيقته إرجاع ما أخذ من شخص أو نُقل من موضع إلى ما كان عنده، ويطلق الرد مجازاً على تصيير الشيء بحالة غير الحالة التي كانت له مجازاً مرسلاً بعلاقة الإطلاق عن التقييد كما هنا.
و﴿ أسفل ﴾ : اسم تفضيل، أي أشدَّ سفالة، وأضيف إلى ﴿ سافلين ﴾، أي الموصوفين بالسفالة.
فالمراد : أسفل سافلين في الاعتقاد بخالقه بقرينة قوله :﴿ إلا الذين آمنوا ﴾ [ التين : ٦ ].
وحقيقة السفالة : انخفاض المكان، وتطلق مجازاً شائعاً على الخسة والحقارة في النفس، فالأسفل الأشد سفالة من غيره في نوعه.
والسافلون : هم سفلة الاعتقاد، والإِشراكُ أسفل الاعتقاد فيكون ﴿ أسفل سافلين ﴾ مفعولاً ثانياً ل ﴿ رددناه ﴾ لأنه أجري مجرى أخوات صار.
والمعنى : أن الإِنسان أخذ يغير ما فطر عليه من التقويم وهو الإِيمان بإله واحد وما يقتضيه ذلك من تقواه ومراقبته فصار أسفل سافلين، وهل أسفلُ ممن يعتقد إلهية الحجارة والحيواننِ الأبكم مِن بقر أو تماسيح أو ثعابين أو من شجر السَّمُر، أو مَن يحسب الزمان إلها ويسميه الدهر، أو من يجحد وجود الصانع وهو يشاهد مصنوعاته ويحس بوجود نفسه قال تعالى :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].


الصفحة التالية
Icon