تقول العرب : أنفق فلان ماله على فلان، وإنما أنفق بعضه، ومثله قوله تعالى :﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ [ الليل : ١٨ ] لم يُرِدْ كُلَّ ماله.
ثم استثنى من الإنسان فقال تعالى :﴿ إلا الذين آمنوا ﴾ لأن معنى الإنسان الكثير.
وللمفسرين في معنى الاستثناء قولان :
أحدهما : إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يُرَدُّون إلى الخَرَف وأَرْذَل العُمُر وإن عُمِّروا طويلاً، وهذا على القول الأول.
قال ابن عباس : من قرأ القرآن لم يُرَدَّ إلى أرذل العمر.
وقال النخعي : إذا بلغ المؤمن من الكِبَر ما يعجز عن العمل كُتِبَ له ما كان يعمل، وهو قوله تعالى :﴿ فلهم أجر غير ممنون ﴾ وقال ابن قتيبة : المعنى : إلا الذين آمنوا في وقت القوَّة والقدرة، فإنهم حال الكِبَر غير منقوصين وإن عجزوا عن الطاعات، لأن الله تعالى علم أنهم لو لم يسلبهم القوَّة لم ينقطعوا عن أفعال الخير، فهو يجري لهم أجر ذلك.
والثاني : إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يُرَدُّون إلى النار.
وهذا على القول الثاني.
وقد شرحنا معنى "الممنون" في "ن" [ آية : ٣ ].
قوله تعالى :﴿ فما يكذِّبك بعد بالدين ﴾ فيه قولان.
أحدهما : فما يكذِّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجة "بالدِّين" أي : ما الذي يجعلك مكذِّباً بالجزاء؟! وهذا توبيخ للكافر، وهو معنى قول مقاتل.
وزعم أنها نزلت في عدي بن ربيعة.
والثاني : فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له خلقُنا الإنسان على ما وصفنا، قاله الفراء.
فأما "الدِّين" فهو الجزاء.
والمشار بذكره إلى البعث، كأنه استدل بتقليب الأحوال على البعث.
قوله تعالى ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ أي : بأقضى القاضين.
قال مقاتل : يحكم بينك وبين مكذِّبيك.
وذكر بعض المفسرين : أن معنى هذه الآية تسليته في تركهم والإعراض عنهم.
ثم نسخ هذا المعنى بآية السيف. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٩ صـ ١٦٨ ـ ١٧٤﴾


الصفحة التالية
Icon