وجواب القسم ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان ﴾ وهو جنس ﴿ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية أعضائه ﴿ ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين ﴾ أي ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية أن رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً يعني أقبح من قبح صورة وهم أصحاب النار، أو أسفل من أهل الدركات، أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشننّ جلده وكلّ سمعه وبصره، وتغير كل شيء منه، فمشيه دليف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف ﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ ودخل الفاء هنا دون سورة الانشقاق للجمع بين اللغتين، والاستثناء على الأول متصل، وعلى الثاني منقطع أي ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى والزمنى فلهم ثواب غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة.
والخطاب في ﴿ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ للإنسان على طريقة الالتفات أي فما سبب تكذيبك بعد هذا البيان القاطع والبرهان الساطع بالجزاء؟ والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراً سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوى، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر لا ترى دليلاً أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن إعادته، فما سبب تكذيبك بالجزاء؟ أو لرسول الله ﷺ أي فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل؟ ف "ما" بمعنى "من" ﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما هم أهله وهو من الحكم والقضاء والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير النسفى حـ ٤ صـ ٣٦٦ ـ ٣٦٧﴾