آنفا في سن الشباب والكهولة والشيخوخة، وقد سوى أصله من التراب ابداعا لا عن سابق مثل ولا من أصل آخر كالقردة كما يتقول به من لاخلاق له ولا إيمان "ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ٥" بعد ما كان عليه من الكمال
إلى أرذل العمر لما توقعه فيه من الهرم والضعف ونقص العقل والسمع والبصر والشم والشهوة وانقطاع صالح العمل بالعجز عن الصيام والصلاة بصورة كاملة، هذا مصيره في الدنيا، وأما في الآخرة فإذا كان غير شاكر ما متعناه به وجحد ما أنعمنا به عليه وكفر بنا وبرسولنا وكتابنا فنرده إلى أسفل دركة من جهنم، وهكذا شأن كل كافر جحود "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ٦" وافيا غير ناقص لأن المؤمن الصالح لا ينحرف غالبا فلا يرد إلى أرذل العمر ولا ينقطع عمله ويدوم عليه أجره وقد شاهدت كثيرا من العلماء العاملين تجاوزوا المائة سنة وهم على أحسن خطة كالشيخ حسين الأزهري مفتي دير الزور والشيخ بدر الدين الحسني مدرس دار الحديث بدمشق رحمهما اللّه وأتباعهما كثير، على أن الرجل الصالح إذا أصيب بشيء ما يمنعه من ذلك فيكتب له ثواب ما كان يعمله قبل، قال ابن عباس هم نفر ردّوا إلى أرذل العمر على زمن رسول اللّه فانزل اللّه عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم، وإذا صح هذا فالسبب خاص والحكم عام وقال عكرمة ما يضرّ هذا الشيخ كبره إذا ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل، وقال ابن عباس إن الذين آمنوا أي الذين قرأوا القرآن لم يردوا إلى أرذل العمر وهذا يؤيد ما ذكرنا آنفا قال تعالى :"فَما يُكَذِّبُكَ ٧" أيها الإنسان، وهذا التفات من المغيبة إلى الخطاب، وهو من محسنات البيان ومقتضيات البديع "بَعْدُ" أي بعد البيان الذي ذكرناه لك "بِالدِّينِ" الحق والبعث بعد الموت والحساب والجزاء