وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : هذه سورة موضحة ومتممة للمقصود في السورتين قبلها، فبان لك أن الصورة الإنسانية بظاهر الأمر - مما هي عليه من الترتيب والإتقان - قد كانت تقتضي الاتفاق بظاهر ارتباط الكمال بها من حيث إلها في أحسن تقويم، والافتراق يبعد في الظاهر، فكيف افترق الحكم واختلف السلوك، فمن صاعد بالاستيضاح والإمتثال، ونازل أسفل سافلين فضلا عن ترقي بعض درجات الكمال، فإذا ليس يرقى من خص بمزية التقريب إلا لأنه نودي من قريب فأسرع في إجابة مناديه وأصاخ، وما اعتل بحاديه فسل من واضحات السبيل ما رسم له، وبنى على ما كتب له من ذلك عمله ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) [ السجدة : ١٣ ] فعلى العاقل المنصف في نفسه أن يعلم أن كلا ميسر لما خلق له فيضرع إلى خالقه في طلب الإخلاص " من وجد خيرا فليحمد الله " فأوضحت هذه السورة ان ما أعطى الله نبيه ( ﷺ ) وخصه به من ضروب الكرامات وابتدأه من عظيم الآلاء مما تضمنته السورتان إلى ما منحه من خير الدارين وما تضمنه. قسمه له سبحانه وتعالى أنه ما ودعه ولا قلاه من الملاطفة والتأنيس ودلائل الحب والتقريب - كل ذلك فضلا منه سبحانه وتعالى وإحسانا لا لعمل تقدم يستوجب ذلك أو بعضه، ولو تقدم عمل لم يقع إلا بمشيئته، وتوفيقه وإرادته، ولا يستوجب أحد عليه شيئا، وإنما هو فضله يؤتيه من يشاء، فقال سبحانه وتعالى منبها على ما وقع الإيماء إلى بعضه ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( ومع ذلك لا ينفعه وقوع صورته الظاهرة في عالم الشهادة على أكمل خلق ولأتم وضع بل إذا لم يصحبه توفيق وسبقته سعادة من خالقه ولم يجعل له نور يمشي به لم ير غير نفسه ولا عرف إلا أبناء جنسه، فقصر نظره على أول ما شاهد، ووقف عند ما عاين من غير اعتياد يحده إلى تحقق مآله وتبين جحاله أنه لم يكن شيئا مذكورا، فلما قصر وما أبصر اعتقد لنفسه الكمال، وعمي عن المبتدأ والمآل، فصار