ما هيأه الله له إلى ما ينجيه، وبعضهم يصرفه لذلك إلى ما يرديه، لأنك تجد أعقل الناس في شيء وأعرفهم به أشدهم بلادة في شيء آخر، وأغباهم في شيء أذكاهم في شيء آخر - فاعتبر ذلك، وبذلك انتظم أمر الخلق في أمر معاشهم بالعلوم والصنائع والأحوال - والله الهادي، وهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى منزه عن التركيب والصورة لأنه لو كان في شيء منهما لكان هو الأحسن لأن كل صفة يشترك فيها الخلق والحق فالمبالغة للحق كالعالم والأعلم والكريم والأكرم - قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري في تفسيره، وصيغة " أفعل " لا تدل على ما قاله الزنادقة، وإن عزي ذلك إلى بعض الأكابر من قولهم : ليس في الإمكان أبدع مما كان، لأن الدرجة الواحدة تتفاوت إلى ما لا يدخل تحت حصر كتفاوت أفراد الإنسان في صوره وألوانه، وغير ذلك من أكوانه وبديع شأنه، وقد بينت ذلك في تصنيف مفرد لهذه الكلمة سميته : تهديم الأركان من " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، وأوضحته غاية الإيضاح والبيان، وجرت فيه فتن تصم الآذان، ونصر الله الحق بموافقة الأعيان، وقهر أهل الطغيان، ثم أردفته بكتاب " دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان ثم شفيت الأسقام، ودمغت الأخصام، وخسأت الأوهام، بالقول الفارق بين الصادق والمنافق، وهو نحو ورقتين في غاية الإبداع في قطع النزاع، ويمكن أن تكون صيغة أفعل مفيدة بالنسبة إلى شيء أراده الله بحيث إن نتفطن له نحن لأن من المجمع عليه عند أهل السنة وصرح به الأشعري وغيره في غير موضع من كتبهم أن الله تعالى لا تتناهى مقدوراته، وممن صرح بما صرح به الأشعري وأكثر في الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتبه الإحياء وغيره ولا سيما كتابه " تهافت الفلاسفة " وبين أن هذا من قواعدهم لنفيهم صفة الإرادة وقولهم بأن فعله بالذات، وبين فساد ذلك، وأنه سبحانه وتعالى قادر على اختراع عالم آخر وثالث متفاوتة بالصغر والكبر، وعلى كل