من ذلك أو على كثير منه، فلا بد في الحكمة حينئذ من بعثه، وله بعد البعث عند ربه على ذلك عذاب مقيم، وأما في خلقه فبالهرم حتى صار بعد تلك القوى ضعيفاً، وبعد ذلك العز ذليلاً مهيناً، وبعد ذلك العلم الغزير والفكر المنير لا يعلم شيئاً، وصار يستقذره وينكره من كان يألفه ويستعطره، وقال ابن برجان : أما رده في طريق الديانة فبالكفر والتكذيب، وأما فيما سبيله الجزاء فبالمسخ في دار البرزخ وتحويل صورته إلى ما غلب عليه خلقته وعمله في الدنيا من الدواب والهوام والبهائم، وفي الآخرة تزرق عيناه ويشوه خلقه، وقال الإمام أبو العباس الأقليشي في شرح " المقدم المؤخر " من شرحه للاسماء الحسنى : إن الله تعالى خلقه.
أي الإنسان - أولاً في أحسن تقويم، ثم ركبه في هذا الجسم الذي يجذبه إلى أسفل سافلين، فإن قدم عقله على هواه صعد إلى أعلى عليين، وكان من المقربين المقدمين، وإن قدم هواه هبط إلى إدراك الجحيم، وكان من المبعدين المؤخرين.
ولما حكم بهذا الرد على جميع النوع إشارة إلى كثرة المتصف به منهم، وكان الصالح قليلاً جداً، جعله محط الاستثناء فقال :﴿إلا الذين آمنوا﴾ أي بالله ورسله فكانوا من ذوي البصائر والمعارف، فغلبنا بلطفنا عقولهم بما دعت إليه وأعانت عليه الفطرة الأولى على شهواتهم، وحميناهم من أرذل العمر، فكانوا كلما زدناهم سناً زدنا أنوار عقولهم ونقصنا نار شهواتهم بما أضعفنا من إحكام طبائعهم وتعلقهم بهذا العالم، وأحكمنا من مدارك أنوار الحق وإشراقاته منهم، وأعظمنا من قوى أرواحهم.


الصفحة التالية
Icon