وقال الثعالبى :
وقوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى ﴾ إلَى آخرِ السورةِ
نَزَلَتْ في أبي جَهْلٍ، وذلكَ أنَّه طَغَى لِغِنَاهُ وكثرةِ مَنْ يَغْشَى نَادِيه، فَنَاصَبَ رسولَ اللَّهِ ﷺ ونَهَاهُ عَنِ الصلاةِ في المسجدِ، وقال : لَئِنْ رأيتُ محمداً يسجُدُ عند الكعبةِ لأَطأَنَّ عنقَه، فيُرْوَى أنّ النبي ﷺ رَدَّ عليه القولَ وانْتَهَرَهُ، وعبارةُ الداووديّ : فَتَهَدَّدَهُ النبي ﷺ، فَقَال أبو جهل : أتُهَدِّدُني؟ أما واللَّه إني لأكْثَرُ أهْلِ الوادِي نَادِياً فَنَزَلَتْ الآيةُ، انتهى.
و﴿ كَلاَّ ﴾ ردُّ على أبي جهلٍ، ويتَّجِه أَنْ تَكُونَ بمعنى : حقًّا، والضميرُ في ﴿ رَّءَاهُ ﴾ للإنسانِ المذكورِ، كأنَّه قال : أن رأَى نفسَه غَنِيًّا وهِي رُؤْيَةٌ قَلْبِيَّةٌ ؛ ولذلكَ جازَ أن يَعْمَلَ فعلُ الفاعِل في نفسِه ؛ كما تقول : وجَدْتُنِي وَظَنَنْتُنِي، ثم حقَّرَ تعالى غِنَى هذا الإنسانِ وحالَه بقولهِ :﴿ إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى ﴾ أي : بالحَشْرِ والبعثِ يومَ القيامةِ، وفي هذا الخبرِ وعيدٌ للطاغينَ من الناسِ، ثم صرَّح بذكْرِ النَّاهِي لمحمدٍ عليه السلام، ولا خِلاَفَ أن الناهِيَ أبو جهلٍ، وأن العَبْدَ المصلّيَ هو محمدٌ عليه السلام.