يخونه فإنه يلحقه من ذلك الاطلاع عليه حياء عجيب حتى كأنه هو الجاني وهذا غاية الكرم وقد قيل: إن سبب هذا الحياء: إنه يمثل نفسه في حال طاعته كأنه يعصي الله عز وجل فيستحيي منه في تلك الحال ولهذا شرع الاستغفار عقيب الأعمال الصالحة والقرب التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل وقيل: إنه يمثل نفسه خائنا فيلحقه الحياء كما إذا شاهد رجلا مضروبا وهو صديق له أو من أحصر على المنبر عن الكلام فإنه يخجل أيضا تمثيلا لنفسه بتلك الحال وهذا قد يقع ولكن حياء من اطلع على محبوبه وهو يخونه ليس من هذا فإنه لو اطلع على غيره ممن هو فارغ البال منه لم يلحقه هذا الحياء ولا قريب منه وإنما يلحقه مقته وسقوطه من عينه وإنما سببه والله أعلم شدة تعلق قلبه ونفسه به فينزل الوهم فعله بمنزلة فعله هو ولا سيما إن قدر حصول المكاشفة بينهما فإن عند حصولها يهيج خلق الحياء منه تكرما فعند تقديرها ينبعث ذلك الحياء هذا في حق الشاهد وأما حياء الرب تعالى من عبده: فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام وكان يحيى بن معاد يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحيى هو وفي أثر: من استحيى من الله استحيى الله منه وقد قسم الحياء على عشرة أوجه: حياء جناية وحياء تقصير وحياء إجلال وحياء كرم وحياء حشمة وحياء استصغار للنفس واحتقار لها وحياء محبة وحياء عبودية وحياء شرف وعزة وحياء المستحيي من نفسه