من تعظيم منوط بود إنما جعل الحياء من أول مدارج أهل الخصوص: لما فيه من ملاحظة حضور من يستحيي منه وأول سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحق سبحانه حاضرا معهم وعليه بناء سلوكهم وقوله: إنه يتولد من تعظيم منوط بود يعني: أن الحياء حالة حاصلة من امتزاج التعظيم بالمودة فإذا اقترنا تولد بينهما الحياء والجنيد يقول: إن تولده من مشاهدة النعم ورؤية التقصير ومنهم من يقول: تولده من شعور القلب بما يستحيي منه فيتولد من هذا الشعور والنفرة حالة تسمى الحياء ولا تنافي بين هذه الأقوال فإن للحياء عدة أسباب قد تقدم ذكرها فكل أشار إلى بعضها والله أعلم
فصل قال: وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى: حياء يتولد من علم
العبد بنظر الحق إليه فيجذبه إلى تحمل هذه المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية ويسكته عن الشكوى يعني: أن العبد متى علم أن الرب تعالى ناظر إليه أورثه هذا العلم حياء منه يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة مثل العبد إذا عمل الشغل بين يدي سيده فإنه يكون نشيطا فيه محتملا لأعبائه ولا سيما مع الإحسان من سيده إليه ومحبته لسيده بخلاف ما إذا كان غائبا عن سيده والرب تعالى لا يغيب نظره عن عبده ولكن يغيب نظر القلب والتفاته إلى نظره سبحانه إلى العبيد فإن القلب إذا
غاب نظره وقل التفاته إلى نظر الله تبارك وتعالى إليه: تولد من ذلك قلة الحياء والقحة وكذلك يحمله على استقباح جنايته وهذا الاستقباح الحاصل بالحياء قدر زائد على استقباح ملاحظة الوعيد وهو فوقه
وأرفع منه درجة: الاستقباح الحاصل عن المحبة فاستقباح المحب أتم من استقباح الخائف ولذلك فإن هذا الحياء يكف العبد أن يشتكي لغير الله فيكون قد شكا الله إلى خلقه ولا يمنع الشكوى إليه سبحانه فإن الشكوى إليه سبحانه فقر وذلة وفاقة وعبودية فالحياء منه فى مثل ذلك لا ينافيها