لئلا يتطرق إليها الضياع والنّسيان، إذ لو بقيت في الصدور دون تدوين لنسيت وضاعت الفائدة منها، والكريم هو الذي يعطي لا لغرض ولا لعوض وهو اللّه الذي «عَلَّمَ الْإِنْسانَ» انواع العلوم وهداه إلى معرفة الحقائق الكلية والجزئية الجلية والخفية «ما لَمْ يَعْلَمْ ٥» من المكونات الأرضية والسماوية مما لم يخطر بباله ولا يتصوره بخياله، فقد علّم آدم الأسماء كلها كما سيأتي في الآية ٣٠ من سورة البقرة في ج ٣، وعلم محمدا علوم الأولين والآخرين مع انه أمي، وفيه دلالة على كمال كرمه جلّ كرمه بأنه علم عباده مالا تحيط به عقولهم عفوا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم.
مطلب ما رثي نوما لا بعد قرآنا، وأصل الكتابة بفوائدها :
انتهت الآيات الخمس التي نزلت دفعة واحدة أول الوحي فينبغي لمن يريد حفظ القرآن أن يحفظه خمسا خمسا فهو أعون على حفظه كله لأن الرسول قد حفظها حال نزولها، وما قاله بعض المفسرين من أنه تلقى هذه الآيات الخمس من الملك في سنة من النوم ثم تلقاها يقظة لا طائل تحته ولا قيمة له بل ولا صحة له، والحديث في هذا رواه الطبراني عن ابن الزبير موقوفا وهو يقابل ما جاء في الصحيحين على فرض صحته لأن الصحيح ما جاء في الصحيحين بأنه تلقاها حال اليقظة نهارا كما أثبتناه آنفا في المطلب الثاني عشر، لأن ما يراه الرسول في النوم لا يسمى قرآنا، وسيأتي لهذا البحث صلة في تفسير سورة الكوثر الآتية فراجعها.
قال قتاده : لو لا القلم لم يقم دين ولم يصلح عبش لأن الكلام عبارة عن هواء فإذا لم يقيد ضاع، وفيه قيل :
العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الموثقه
وليعلم أنه لو لم يكن على دقيق حكمته تعالى ولطيف تدبيره دليل إلا القلم والخط به لكفى، قالوا الكتابة قديمة في غير العرب وأول من نقلها من الحيرة إلى الحجاز حرب بن أمية أخذها من أسلم بن زيد، وأخذها أسلم من مرار بن مرّة،