إنما قال :﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع، كقوله :﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾ [ العصر : ٢ ].
أما قوله تعالى :
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال بعضهم : اقرأ أولاً لنفسك، والثاني للتبليغ أو الأول للتعلم من جبريل والثاني للتعليم أو اقرأ في صلاتك، والثاني خارج صلاتك.
المسألة الثانية :
الكرم إفادة ما ينبغي لا لعوض، فمن يهب السكين ممن يقتل به نفسه فهو ليس بكريم، ومن أعطى ثم طلب عوضاً فهو ليس بكريم، وليس يجب أن يكون العوض عيناً بل المدح والثواب والتخلص عن المذمة كله عوض، ولهذا قال أصحابنا : إنه تعالى يستحيل أن يفعل فعلاً لغرض لأنه لو فعل فعلاً لغرض لكان حصول ذلك الغرض أولى له من لا حصوله، فحينئذ يستفيد بفعل ذلك الشيء حصول تلك الأولوية، ولو لم يفعل ذلك الفعل لما كان يحصل له تلك الأولوية، فيكون ناقصاً بذاته مستكملاً بغيره وذلك محال، ثم ذكروا في بيان أكرميته تعالى وجوهاً أحدها : أنه كم من كريم يحلم وقت الجناية، لكنه لا يبقى إحسانه على الوجه الذي كان قبل الجناية، وهو تعالى أكرم لأنه يزيد بإحسانه بعد الجناية، ومنه قول القائل :
متى زدت تقصيراً تزد لي تفضلاً.. كأني بالتقصير أستوجب الفضلا
وثانيها : إنك كريم لكن ربك أكرم وكيف لا وكل كريم ينال بكرمه نفعاً إما مدحاً أو ثواباً أو يدفع ضرراً.