في قوله :﴿عَلَّمَ بالقلم﴾ وجهان أحدهما : أن المراد من القلم الكتابة التي تعرف بها الأمور الغائبة، وجعل القلم كناية عنها والثاني : أن المراد علم الإنسان الكتاب بالقلم وكلا القولين متقارب، إذ المراد التنبيه على فضيلة الكتابة، يروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام، فقال : ريح لا يبقى، قال : فما قيده، قال : الكتابة، فالقلم صياد يصيد العلوم يبكي ويضحك، بركوعه تسجد الأنام، وبحركته تبقى العلوم على مر الليالي والأيام، نظيره قول زكريا :﴿إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً﴾ [ مريم : ٣ ] أخفى وأسمع فكذا القلم لا ينطق ثم يسمع الشرق والغرب، فسبحانه من قادر بسوادها جعل الدين منوراً، كما أنه جعلك بالسواد مبصراً، فالقلم قوام الإنسان والإنسان قوام العين، ولا تقل القلم نائب اللسان، فإن القلم ينوب عن اللسان واللسان لا ينوب عن القلم، التراب طهور، ولو إلى عشر حجج، والقلم بدل ( عن اللسان ) ولو ( بعث ) إلى المشرق والمغرب. (١)
أما قوله تعالى :
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)
فيحتمل أن يكون المراد علمه بالقلم وعلمه أيضاً غير ذلك ولم يذكر واو النسق، وقد يجري مثل هذا في الكلام تقول : أكرمتك أحسنت إليك ملكتك الأموال وليتك الولايات، ويحتمل أن يكون المراد من اللفظين واحداً ويكون المعنى : علم الإنسان بالقلم مالم يعلمه، فيكون قوله :﴿عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ بياناً لقوله :﴿عَلَّمَ بالقلم﴾ [ العلق : ٤ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣٢ صـ ١٤ ـ ١٨﴾