قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الإنسان ﴾ يعني ابن آدم.
﴿ مِنْ عَلَقٍ ﴾ أي من دمٍ ؛ جمع عَلقة، والعلقة الدّم الجامد ؛ وإذا جرى فهو المسفوح.
وقال :"مِنْ عَلَق" فذكره بلفظ الجمع ؛ لأنه أراد بالإنسان الجمع، وكلهمْ خُلِقوا من عَلَق بعد النطفة.
والعَلَقة : قطعة من دمٍ رَطْب، سميت بذلك لأنها تعلَق لرطوبتها بما تَمُر عليه، فإذا جفت لم تكن عَلقة.
قال الشاعر :
تركناه يَخِر على يديه...
يمج عليهما عَلَق الوَتِينِ
وخَصّ الإنسانَ بالذكر تشريفاً له.
وقيل : أراد أن يبين قدرَ نعمته عليه، بأن خلقه من علقة مَهينة، حتى صار بشراً سَوِيًّا، وعاقلاً مميزاً.
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)
قوله تعالى :﴿ اقرأ ﴾ تأكيد، وتم الكلام، ثم استأنف فقال :﴿ وَرَبُّكَ الأكرم ﴾ أي الكريم.
وقال الكلبيّ : يعني الحليم عن جهل العباد، فلم يُعَجِّل بعقوبتهم.
والأوّل أشبه بالمعنى، لأنه لما ذكر ما تقدّم من نعمه، دلَّ بها على كرمه.
وقيل :"إقرأ وربك" أي اقرأ يا محمد وربك يعينك ويفهمك، وإن كنت غير القارىء.
و"الأكرم" بمعنى المتجاوز عن جهل العباد.
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ الذى عَلَّمَ بالقلم ﴾ يعني الخط والكتابة ؛ أي علم الإنسان الخط بالقلم.
ورَوى سعيد عن قتادة قال : القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دِين، ولم يصلُح عيش.
فدل على كمال كرمه سبحانه، بأنه عَلَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونَبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو.
وما دُوِّنت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكم، ولا ضبطت أخبار الأوّلِين ومقالاتهم، ولا كتبُ الله المُنْزَلة إلا بالكتابة ؛ ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا.
وسُمِّي قلماً لأنه يُقْلَم ؛ أي يقطع، ومنه تقليم الظفر.