قال علماؤنا : فالأقلام في الأصل ثلاثة : القلم الأوّل : الذي خلقه الله بيده، وأمره أن يكتب.
والقلم الثاني : أقلام الملائكة، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال.
والقلم الثالث : أقلام الناس، جعلها الله بأيديهم، يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها مآربهم.
وفي الكتابة فضائل جمة.
والكتابة من جملة البيان، والبيان مما اختص به الآدميّ.
الثالثة : قال علماؤنا : كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب، وأقل العرب معرفة به المصطفى ﷺ ؛ صُرِف عن علمه، ليكون ذلك أثبت لمعجزته، وأقوى في حجته، وقد مضى هذا مبيناً في سورة "العنكبوت".
وروى حَمَّاد بن سَلَمة عن الزبير بن عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله الفهري، عن عبد الله بن مسعود، قال : قال رسول الله ﷺ :" لا تُسْكِنوا نساءكم الغُرف، ولا تعلموهن الكتابة " قال علماؤنا : وإنما حذرهم النبيّ ﷺ ذلك، لأن في إسكانهن الغُرَف تطلعاً إلى الرجل ؛ وليس في ذلك تحصين لهنّ ولا تستر.
وذلك أنهنّ لا يملكن أنفسهنّ حتى يشرفن على الرجل ؛ فتَحدثَ الفتنة والبلاء ؛ فحذرهم أن يجعلوا لهن غُرَفاً ذريعة إلى الفتنة.
وهو كما قال رسول الله ﷺ :" ليس للنساء خيرٌ لهنّ من ألا يراهنّ الرجال، ولا يرين الرجال " وذلك أنها خُلقت من الرجل، فنهْمتُها في الرجل، والرجل خلقت فيه الشهوة، وجُعلت سكناً له، فغير مأمون كل واحد منهما في صاحبه.
وكذلك تعليم الكتابة ربما كانت سبباً للفتنة، وذلك إذا عُلِّمَتِ الكتابة كتبت إلى من تَهوَى.
والكتابة عين من العيون، بها يبصر الشاهد الغائب، والخط هو آثار يده.
وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان، فهو أبلغ من اللسان.
فأحب رسول الله ﷺ أن ينقطع عنهنّ أسباب الفتنة ؛ تحصيناً لهنّ، وطهارة لقلوبهنّ.