وقال ابن جزى :
سورة الْقَدْرِ
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾
الضمير في أنزلناه للقرآن، دل على ذلك سياق الكلام، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه : أحدها أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته والاستغناء عن تسميته، الثاني أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات، والثالث أن الله أسند إنزاله إلى نفسه وفي كيفية إنزاله في ليلة القدر قولان : أحدهما أنه ابتدأ إنزاله فيها، والآخر : أنه أنزل القرآن فيها جملة واحدة إلى السماء ثم نزل به جبريل إلى الأرض بطول عشرين سنة وقيل : المعنى أنزلناه في شأن ليلة القدرة وذكرها، وهذا ضعيف. وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها أو من القدْر بمعنى الشرف، ويترجح الأول بقوله : فيها يفرق كل أمر حكيم ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر ﴾ هذا تعظيم لها، قال بعضهم : كل ما قال فيه ما أدراك فقد علمه النبي ﷺ وما قال فيه ما يدريك فإنه لا يعلمه ﴿ لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ معناه أن من قامها كتب الله له أجر العبادة في ألف شهر، قال بعضهم : يعني في ألف شهرة ليس فيها ليلة القدر، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال :" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وسبب الآية أن رسول الله ﷺ ذكر رجلاً ممن تقدم عبد الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك ورأوا أن أعمارهم تنقص عن ذلك، فأعطاهم الله ليلة القدر وجعلها خيراً من العبادة في تلك المدة الطويلة.


الصفحة التالية
Icon