لما ذكر الله سبحانه وتعالى كتابه في هذا الذكر العربي المعجز، ذكر إنزاله مستحضراً في كل قلب، كان ذلك مغنياً عن إعادته بصريح اسمه، فكان متى أضمره علمه المخاطب بما في السياق من القرائن الدالة عليه، وبما له في القلب من العظمة وفي الذهن من الحضور لا سيما في هذه السورة لافتتاح العلق بالأمر بقراءته، وختمها بالصلاة التي هي أعظم أركانها، فكانت دلالتها عليه دلالة هي في غاية الوضوح، فكان كأنه قال : واقترب بقراءة القرآن في الصلاة، فكان إضماره أدل على العظمة الباهرة من إظهاره، لدلالة الإضمار على أنه ما تم شيء ينزل غيره فهو بحيث لا يحتاج إلى التصريح به، قال مفخماً له بأمور : إضماره، وإسناد إنزاله إليه، وجعل ذلك في مظهر العظمة، وتعظيم وقت إنزاله المتضمن لعظمة البلد الذي أنزل فيه - على قول الأكثر، والنبي الذي أنزل عليه، مؤكداً لأجل ما لهم من الإنكار، ﴿إنا﴾ أي لما لنا من العظمة ﴿أنزلناه﴾ أي هذا الذكر كله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا مرتباً هذا الترتيب الذي جمع الله الأمة المعصومة عليه، وهو الموجود الآن، وكذا كان إنزال أول نجم منه، وهو أول السورة الماضية إنزالاً مصدقاً لأن عظمته من عظمتنا بما له من الإعجاز في نظمه، ومن تضاؤل القوى عن الإحاطة بعلمه، وأول ما أنزل منه صدرها إلى خمس آيات منها آخرها " ما لم يعلم " على النبي ـ ﷺ ـ وهو مجاور في هذا الشهر الشريف بجبل حراء من جبال مكة المشرفة، ثم صار ينزل مفرقاً بحسب الوقائع حتى تم في ثلاث وعشرين سنة، وكلما نزل منه نجم يأمر النبي ـ ﷺ ـ بترتيبه في سورته عن أمر الله تعالى حتى تم في السور على ما هو عليه الآن ما هو عليه في بيت العزة.


الصفحة التالية
Icon