فقال لها : لم فعلت ذلك؟ فقالت : أُجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك، فأرسلتْ إليهم : إني قد ربطته بالحبل فلم أُغنِ شيئاً، فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، وقالوا : إذا نام فاجعليها في عنقه، فلمّا نام جعلتها في عنقه، فلمّا هبَّ جذبها فوقعت من يده وعنقه، فقال لها : لم فعلت هذا؟ قالت : أجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمشون، أما في الأرض شيء يغلبك؟ قال : إلاّ شيء واحد، قالت : وما هو؟ قال لها : ها أنا لمخبرك به، فلم تزل تسأله عن ذلك وكان ذا شعر كثير، فقال لها : ويحك إنّ أُمّي كانت جعلتني نذيراً فلا يغلبني شيء أبداً، ولا يضبطني إلاّ شعري، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بشعر رأسه، فأوثقه ذلك وبعثت إلى القوم.
فجاؤا فأخذوه فجدعوا أنفه وانفذوا أُذنيه وفقأوا عينيه، ووقفوا بين ظهراني المدينة، وكانت مدينة ذات أساطين، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمشون وما يُصنع به، فدعا شمشون ربّه حين مثلوا ووقفوه أن يسلّطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة التي عليها الملك والناس الذين معه فاجتذبهما جميعاً فجذبهما، فردّ اللّه تعالى إليه بصره وما أصابوا من جسده، ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس، فهلكوا فيها هدما.
وقيل : هو أن الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له : عابد، حتى يعبد اللّه ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فجعل اللّه سبحانه لأمّة محمد ( عليه السلام ) ليلةً خيراً من ألف شهر كانوا يعبدون فيها.
وقال أبو بكر الورّاق : كان ملك سليمان خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر، فيحتمل أن يكون معنى الآية : ليلة القدر خير لمن أدركها مما ملكه سليمان وذو القرنين ( عليهما السلام ).