﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ] فمن خاف ربه هذا الخوف انفك من جميع ما عنده مما لا يليق بجنابه سبحانه، ولم يقدح في البينة ولا توقف فيها، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب، فكان جديراً بأن يقدح في كل ما أدى إلى العمارة، وقد رجع آخر السورة على أولها بذلك، وبتصنيف الناس صنفين : صنف انفك عن هوى نفسه فأنجاها، وصنف استمر في أسرها فأرداها، وقد ذكرت في " مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور " سر تخصيص النبي ـ ﷺ ـ لأبيّ ـ رضى الله عنه ـ بقراءة هذه السورة عليه بخصوصها، وحاصله أن سبب تخصيصه بذلك أنه وجد اثنين من الصحابة ـ رضى الله عنه ـ م قد خالفاه في القراءة فرفعهما إلى النبي ـ ﷺ ـ فأمرهما فعرضا عليه فحسن لهما، قال : فسقط في نفسي من التكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فضرب ـ ﷺ ـ في صدري ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إلى الله فرقاً، ثم قص عليّ خبر التخفيف بالسبعة الأحرف، وكانت السورة التي وقع فيها الخلاف النحل وفيها أن الله يبعث رسوله ـ ﷺ ـ يوم البعث شهيداً، وأنه نزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وأنه نزل عليه روح القدس بالحق ليثبت الذين آمنوا، وأن اليهود اختلفوا في السبت، وسورة ﴿لم يكن﴾ على قصرها حاوية إجمالاً لكل ما في النحل على طولها بزيادة، وفيها التحذير من الشك بعد البيان، وتقبيح حال من فعل ذلك، وأن حاله يكون كحال الكفرة من أهل الكتاب في العناد، فيكون شر البرية، فقرأها النبي ـ ﷺ ـ عليه ـ رضى الله عنه ـ تذكيراً له بذلك كله على وجه أبلغ وأخصر ليكون أسرع له تصوراً فيكون أرسخ في النفس وأثبت في القلب وأعشق للطبع، فاختصه الله بالتثبيت وأراد له الثبات، فكان من المريدين المرادين لما وصل إليه قلبه ببركة ضرب النبي ـ ﷺ ـ لصدره من كشفه الحجب ونفي الشياطين