قوله :﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ من مقابلة الجمع بالجمع، فلا يكلف الواحد بجميع الصالحات، بل لكل مكلف حظ فحظ الغني الإعطاء، وحظ الفقير الأخذ.
المسألة الخامسة :
احتج بعضهم بهذه الآية في تفضيل البشر على الملك، قالوا : روى أبو هريرة أنه عليه السلام قال :" أتعجبون من منزلة الملائكة من الله تعالى! والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من ذلك، واقرؤا إن شئتم :﴿أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية﴾ "
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لوجوه : أحدها : ما روى عن يزيد النحوي أن البرية بنو آدم من البرا وهو التراب فلا يدخل الملك فيه ألبتة وثانيها : أن قوله :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ غير مختص بالبشر بل يدخل فيه الملك وثالثها : أن الملك خرج عن النص بسائر الدلائل، قالوا : وذلك لأن الفضيلة إما مكتسبة أو موهوبة، فإن نظرت إلى الموهوبة فأصلهم من نور وأصلك من حمأ مسنون، ومسكنهم دار لم يترك فيها أبوك مع الزلة ومسكنكم أرض هي مسكن الشياطين، وايضاً فمصالحنا منتظمة بهم ورزقنا في يد البعض وروحنا في يد البعض، ثم هم العلماء ونحن المتعلمون، ثم انظر إلى عظيم همتهم لا يميلون إلى محقرات الذنوب، ومن ذلك فإن الله تعالى لم يحك عنهم سوى دعوى الإلهية حين قال :
﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إله مّن دُونِهِ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] أي لو أقدموا على ذنب فهمتهم بلغت غاية لا يليق بها إلا دعوى الربوبية، وأنت أبداً عبد البطن والفرج، وأما العبادة فهم أكثر عبادة من النبي لأنه تعالى مدح النبي بإحياء ثلثي الليل وقال فيهم :﴿يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٠ ] ومرة :﴿لاَ يَسْئَمُونَ﴾ [ قصلت : ٣٨ ] وتمام القول في هذه المسألة قد تقدم في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon