الكفار كانوا جنسين أحدهما : أهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى وكانوا كفاراً بإحداثهم في دينهم ما كفروا به كقولهم :﴿عُزَيْرٌ ابن الله﴾ [ التوبة : ٣٠ ] و :﴿المسيح ابن الله﴾ [ التوبة : ٣٠ ] وتحريفهم كتاب الله ودينه والثاني : المشركون الذين كانوا لا ينسبون إلى كتاب، فذكر الله تعالى الجنسين بقوله :﴿الذين كَفَرُواْ﴾ على الإجمال ثم أردف ذلك الإجمال بالتفضل، وهو قوله :﴿مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين﴾ وههنا سؤالان :
السؤال الأول : تقدير الآية : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين فهذا يقتضي أن أهل الكتاب منهم كافر ومنهم ليس بكافر، وهذا حق، وأن المشركين منهم كافر ومنهم ليس بكافر، ومعلوم أن هذا ليس بحق والجواب : من وجوه أحدها : كلمة من ههنا ليست للتبعيض بل للتبيين كقوله :﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ [ الحج : ٣٠ ] وثانيها : أن الذين كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، بعضهم من أهل الكتاب، وبعضهم من المشركين، فإدخال كلمة من لهذا السبب وثالثها : أن يكون قوله :﴿والمشركين﴾ أيضاً وصفاً لأهل الكتاب، وذلك لأن النصارى مثلثة واليهود عامتهم مشبهة، وهذا كله شرك، وقد يقول القائل : جاءني العقلاء والظرفاء يريد بذلك قوماً بأعيانهم يصفهم بالأمرين.
وقال تعالى :﴿الركعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر والحافظون لِحُدُودِ الله﴾ [ التوبة : ١١٢ ] وهذا وصف لطائفة واحدة، وفي القرآن من هذا الباب كثير، وهو أن ينعت قوم بنعوت شتى، يعطف بعضها على بعض بواو العطف ويكون الكل وصفاً لموصوف واحد.


الصفحة التالية
Icon