واعلم أن المطهرة وإن جرت نعتاً للصحف في الظاهر فهي نعت لما في الصحف وهو القرآن وقوله :﴿كتب﴾ فيه قولان :﴿أَحَدُهُمَا﴾ المراد من الكتب الآيات المكتوبة في الصحف والثاني : قال صاحب النظم : الكتب قد يكون بمعنى الحكم :﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] ومنه حديث العسيف :" لأقضين بينكما بكتاب الله " أي بحكم الله فيحتمل أن يكون المراد من قوله :﴿كُتُبٌ قَيّمَةٌ﴾ أي أحكام قيمة أما القيمة ففيها قولان الأول : قال الزجاج : مستقيمة لا عوج فيها تبين الحق من الباطل من قام يقوم كالسيد والميت، وهو كقولهم : قام الدليل على كذا إذا ظهر واستقام الثاني : أن تكون القيمة بمعنى القائمة أي هي قائمة مستقلة بالحجة والدلالة، من قولهم قام فلان بالأمر يقوم به إذا أجراه على وجهه، ومنه يقال للقائم بأمر القوم القيم، فإن قيل : كيف نسب تلاوة الصحف المطهرة إلى الرسول مع أنه كان أمياً ؟ قلنا : إذا تلا مثلاً المسطور في تلك الصحف كان تالياً ما فيها وقد جاء في كتاب منسوب إلى جعفر الصادق أنه عليه السلام كان يقرأ من الكتاب، وإن كان لا يكتب، ولعل هذا كان من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله تعالى :﴿وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة﴾ ففيه مسائل.
المسألة الأولى :
في هذه الآية سؤال، وهو أنه تعالى ذكر في أول السورة، أهل الكتاب والمشركين، وههنا ذكر أهل الكتاب فقط، فما السبب فيه ؟ وجوابه : من وجوه أحدها : أن المشركين لم يقروا على دينهم فمن آمن فهو المراد ومن لم يؤمن قتل، بخلاف أهل الكتاب الذين يقرون على كفرهم ببذل الجزية وثانيها : أن أهل الكتاب كانوا عالمين بنبوة محمد ﷺ بسبب أنهم وجدوها في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق مع العلم كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.
المسألة الثانية :