قوله :﴿أُمِرُواْ﴾ مذكور بلفظ ما لم يسم فاعله وهو :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام﴾ [ البقرة : ١٨٣ ] ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] قالوا : فيه وجوه أحدها : كأنه تعالى يقول العبادة شاقة ولا أريد مشقتك إرادة أصلية بل إرادتي لعبادتك كإرادة الوالدة لحجامتك، ولهذا لما آل الأمر إلى الرحمة قال :﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة﴾ [ الأنعام : ٥٤ ]، ﴿كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمان﴾ [ المجادلة : ٢٢ ] وذكر في الواقعات إذا أراد الأب من ابنه عملاً يقول له أولاً : ينبغي أن تفعل هذا ولا يأمره صريحاً، لأنه ربما يرد عليه فتعظم جنايته، فههنا أيضاً لم يصرح بالأمر لتخف جناية الراد وثانيها : أنا على القول بالحسن والقبح العقليين، نقول : كأنه تعالى يقول : لست أنا الآمر للعبادة فقط، بل عقلك أيضاً يأمرك لأن النهاية في التعظيم لمن أوصل إليك ( أن ) نهاية الإنعام واجبة في العقول.
المسألة الرابعة :
اللام في قوله :﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله﴾ تدل على مذهب أهل السنة حيث قالوا : العبادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنة، أو إلى البعد عن عقاب النار، بل لأجل أنك عبد وهو رب، فلو لم يحصل في الدين ثواب ولا عقاب ألبتة، ثم أمرك بالعبادة.
وجبت لمحض العبودية، وفيها أيضاً إشارة إلى أنه من عبد الله للثواب والعقاب، فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب، والحق واسطة، ونعم ما قيل : من آثر العرفان للعرفان فقد قال : بالثاني (١) ومن آثر العرفان لا للعرفان، بل للمعروف، فقد خاض لجة الوصول.