في هذه الآية لطائف إحداها : أن الكمال في كل شيء إنما يحصل إذا حصل الأصل والفرع معاً، فقوم أطنبوا في الأعمال من غير إحكام الأصول، وهم اليهود والنصارى والمجوس، فإنهم ربما أتعبوا أنفسهم في الطاعات، ولكنهم ما حصلوا الدين الحق، وقوم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع، وهم المرجئة الذين قالوا : لا يضر الذنب مع الإيمان، والله تعالى خطأ الفريقين في هذه الآية، وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص في قوله :﴿مُخْلِصِينَ﴾ ومن العمل في قوله :﴿وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكواة﴾ ثم قال :﴿وذلك﴾ المجموع كله هو ﴿دِينُ القيمة﴾ أي البينة المستقيمة المعتدلة، فكمال أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذا هو المجموع دين واحد فقلب دينك الاعتقاد ووجهه الصلاة ولسانه الواصف لحقيقته الزكاة لأن باللسان يظهر قدر فضلك وبالصدقة يظهر قدر دينك، ثم إن القيم من يقوم بمصالح من يعجز عن إقامة مصالح نفسه فكأنه سبحانه يقول : القائم بتحصيل مصالحك عاجلاً وآجلاً هو هذا المجموع، ونظيره قوله تعالى :﴿دِينًا قِيَمًا﴾ [ الأنعام : ١٦١ ] وقوله في القرآن :﴿قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [ الكهف : ٢ ] لأن القرآن هو القيم بالإرشاد إلى الحق، ويؤيده قوله عليه السلام :" من كان في عمل الله كان الله في عمله " وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام :"يا دنيا من خدمك فاستخدميه، ومن خدمني فاخدميه"، وثانيها : أن المحسنين في أفعالهم هم مثل الحق سبحانه وذلك بالإحسان إلى عبيده والملائكة، وذلك بأنهم اشتغلوا بالتسبيح، لخالقهم فالإحسان من الله لا من الملائكة، والتعظيم والعبودية من الملائكة لا من الله، ثم إن الإنسان إذا حضر عرصة القيامة فيقول الله مباهياً بهم : ملائكتي هؤلاء أمثالكم سبحوا وهللوا، بل في بعض الأفعال أمثالي أحسنوا وتصدقوا، ثم إني أكرمكم يا ملائكتي بمجرد ما أتيتم به من العبودية وأنتم تعظموني بمجرد ما فعلت من


الصفحة التالية
Icon