وقال ابن كيسان : أي لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد ﷺ في كتابهم، حتى بُعِث ؛ فلما بُعث حسدوه وجحدوه.
وهو كقوله :﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ﴾ [ البقرة : ٨٩ ].
ولهذا قال :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾...
الآية.
وعلى هذا فقوله :﴿ والمشركين ﴾ أي ما كانوا يسيئون القول في محمد ﷺ، حتى بُعِث ؛ فإنهم كانوا يسمونه الأمين، حتى أتتهم البينة على لسانه، وبُعث إليهم، فحينئذٍ عادَوْه.
وقال بعض اللغويين :﴿ مُنفَكِّينَ ﴾ : هالكين ؛ من قولهم : أَنْفَكَ صَلاَ المرأةِ عند الولادة ؛ وهو أن ينفصل، فلا يلتئم فتهلك.
المعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
وقال قوم في المشركين : إنهم من أهل الكتاب ؛ فمن اليهود من قال : عُزيرٌ ابن الله.
ومن النصارى من قال : عيسى هو الله.
ومنهم من قال : هو ابنه.
ومنهم من قال : ثالث ثلاثة.
وقيل : أهل الكتاب كانوا مؤمنين، ثم كفروا بعد أنبيائهم.
والمشركون وُلِدوا على الفِطرة، فكفروا حين بلغوا.
فلهذا قال :﴿ والمشركين ﴾.
وقيل : المشركون وصف أهل الكتاب أيضاً، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم، وتركوا التوحيد.
فالنصارى مُثَلِّثة، وعامة اليهود مُشَبِّهة ؛ والكُل شِركٌ.
وهو كقولك : جاءني العقلاء والظرفاء ؛ وأنت تريد أقواماً بأعيانهم، تصفهم بالأمرين.
فالمعنى : من أهل الكتاب المشركين.
وقيل : إن الكفر هنا هو الكفر بالنبيّ ﷺ ؛ أي لم يكن الذين كفروا بمحمد من اليهود والنصارى، الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون الذين هم عَبَدَةُ الأوثان من العرب وغيرهم وهم الذين ليس لهم كتاب مُنْفَكِّين.
قال القشيرِيّ : وفيه بعد ؛ لأن الظاهر من قوله :﴿ حتى تَأْتِيَهُمُ البينة * رَسُولٌ مِّنَ الله ﴾ أن هذا الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم.