﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين مُنفَكّينَ ﴾ [ البينة : ١ ] أي عما هم عليه من الدين حسب اعتقادهم فيه إلى أن يأتيهم الرسول ولما لم يتعرض في ذلك على ذلك المذهب لحالهم بعد إتيان الرسول عليه الصلاة والسلام بينه سبحانه بقوله جل وعلا :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ الخ أي وما تفرقوا فعرف بعض منهم الحق وآمن وعرفه بعض آخر منهم وعاند فلم يؤمن في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءتهم البينة وطوى سبحانه ذكر حال المشركين لعلمه بالأولى من حالهم ثم إنه تعالى ذكر بعد حال كل من الفريقين المؤمن والكافر وماله في الآخرة بقوله سبحانه :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ البينة : ٦ ] الخ وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ ﴾ [ البينة : ٧ ] الخ والذي أميل إليه مما تقدم كون الانفكاك عن الوعد باتباع الحق ولعل القرينة على اعتباره حالية ويحتمل نحواً آخر من التوجيه وذلك بأن يجعل الكلام من باب الأعمال فيقال إن منفكين يقتضي متعلقاً هو المنفك عنه وتأتيهم يقتضي فاعلاً وليس في الكلام سوى البينة فكل منهما يقتضيه فاعمل فيه تأتيهم وحذف معمول منفكين لدلالته عليه فكأنه قيل لم يكن الذين كفروا من الفريقين منفكين عن البينة حتى تأتيهم البينة وحيث كان المراد بالبينة الرسول كان الكلام في قوة لم يكونوا منفكين عن الرسول حتى يأتيهم ويراد بعدم الانفكاك عن الرسول حيث لم يكن موجوداً إذ ذاك عدم الانفكاك عن ذكره والوعد باتباعه ويكون باقي الكلام في الآية على نحو ما سبق على تقدير إرادة منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق وإن شئت قلت في قوله تعالى :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ ﴾ الخ أنه على معنى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب عن الرسول ما انفكوا عنه بالإصرار على الكفر إلا من بعد ما جاءهم فتأمل جميع ما أتيناك به والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon