فقوله :﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ أصرح قول في أن الكافر والمؤمن في ذلك سواء، وإن كلاً يوفى يوم القيامة جزاءه. وقد ورد أن < حاتماً يخفف عنه لكرمه >، وأن < أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي ﷺ > وما نقله بعضهم من الإجماع على أن الكافر لا تنفعه في الآخرة حسنة ولا يخفف عنه عذاب سيئة ما، لا أصل له. فقد قال بما قلناه كثير من أئمة السلف رضي الله عنهم. على أن كلمة الإجماع، كثيراً ما يتخذها الجهلاء السفهاء آلة لقتل روح الدِّين، وحجَراً يلقمونه أفواه المتكلمين. وهم لا يعرفون للإجماع الذي يقوم به الحجة معنى، فبئس ما يصنعون. انتهى.
وقد سبقه الشهاب في " حواشيه " على القاضي، حيث ناقش صاحب" المقاصد" في دعواه الإجماع على إحباط عمل الكفرة. وعبارته : كيف يدعى الإجماع على الإحباط بالكلية، وهو مخالف لما صرح به في الآية ؟ والذي يلوح للخاطر، بعد استكشاف سرائر الدفاتر، أن الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه. فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل، ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهي. انتهى.
الثاني : قال في " الإكليل " : في هاتين الآيتين الترغيب في قليل الخير وكثيره، والتحذير من قليل الشر وكثيره أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال : هذه الآية أحكم آية في القرآن. وفي لفظ : أجمع.
وسمى رسول الله ﷺ هذه الآية < الجامعة الفاذة >، حين سئل عن زكاة الحمير فقال :< ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة > :