وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور :(يومئذ يصدر الناس أشتاتا).. نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض (كأنهم جراد منتشر).. وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل. مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك :(يوم تشقق الأرض عنهم سراعا).. وحيثما امتد البصر رأى شبحا ينبعث ثم ينطلق مسرعا ! لا يلوي على شيء، ولا ينظر وراءه ولا حواليه :(مهطعين إلى الداع)ممدودة رقابهم، شاخصة أبصارهم.(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر. هائل مروع. مفزع. مرعب. مذهل...
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئا مما يبلغه إرسال الخيال قليلا يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق !
(يومئذ يصدر الناس أشتاتا).. (ليروا أعمالهم).. وهذه أشد وأدهى.. إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم، ليواجهوها، ويواجهوا جزاءها. ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء. وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير. فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر ؟!
إنها عقوبة هائلة رهيبة.. مجرد أن يروا أعمالهم، وأن يواجهوا بما كان منهم !
ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها.
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)..
ذرة.. كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة. وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس... فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة...


الصفحة التالية
Icon