اللّه تعالى يخلق فيها الحياة والعقل والنّطق لتخبر بما أمرت به، لأن ضمير تحدث يعود إليها، وعلى هذا أهل السّنة والجماعة "يَوْمَئِذٍ" يوم تحدث الأرض النّاس أخبارها بما فعلوا عليها "يَصْدُرُ النَّاسُ" بعد قيامهم من قبورهم وذهابهم للعرض على ربهم لإجراء حسابهم على أعمالهم يذهبون "أَشْتاتاً" متفرقين منهم من يؤخذ به ذات اليمين
إلى الجنّة، ومنهم من يذهب به ذات الشّمال إلى النّار وذلك عند قوله تعالى، (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٦٠ من سورة يس في ج ١ أيضا أي افترقوا عن المؤمنين، وإنما يأمر النّاس ربّهم بالصدور عن موقفهم "لِيُرَوْا" جزاء "أَعْمالَهُمْ" (٦) التي فعلوها بالدنيا، ولهذا يقول جل جلاله "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ" في الدّنيا والذرة ما يلصق باليد من التراب النّاعم، والهباء الذي يرى بين مشرق الشّمس من الكوة إلى أرض الدّار، وتفسيرها بهذا أولى من تفسيرها بالنملة الصّغيرة، لأنها ذرات كثيرة.
واعلموا أيها النّاس أن من يفعل قدر هذه الذرة الآن "خَيْراً يَرَهُ" (٧) خيرا كثيرا مضاعفا في الآخرة ويعطيه اللّه أجرا كبيرا عليه لم يكن يحلم به ولم تخطر بباله عظمته "وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ" في دنياه و
لو أنه لم يلق إليها بالا، لأن الذنب الصّغير إذا استصغره فاعله يكون عظيما وباله "شَرًّا يَرَهُ" (٨) شرا مستطيرا في الآخرة، وبمثله جزاؤه إذا لم يستحقره، فعلى العاقل أن يستحقر ما يفعله من الخير ليعظم اللّه له أجره عليه، وأن يستعظم ما يفعله من الشّر ليهون اللّه عليه وزره في الآخرة.
واعلم أن آخر هذه السّورة يؤيد ويؤكد ما جرينا عليه من أن المراد بالزلزلة هي زلزلة الآخرة، أجارنا اللّه من أهوالها، وآمننا من عذابها بحرمة سيد أنبيائه وجاهه على نفسه.