لقائل أن يقول : إذا كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟ والجواب : هذا هو الكرم، لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف، والكريم لا يحتمله وفي الطاعة تعظيم، وإن قل فالكريم لا يضيعه، وكأن الله سبحانه يقول لا تحسب مثقال الذرة من الخير صغيراً، فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع مني الذرة، بل اعتبرتها ونظرت فيها، واستدللت بها على ذاتي وصفاتي واتخذتها مركباً به وصلت إلي، فإذا لم تضيع ذرتي أفأضيع ذرتك! ثم التحقيق أن المقصود هو النية والقصد، فإذا كان العمل قليلاً لكن النية خالصة فقد حصل المطلوب، وإن كان العمل كثيراً والنية دائرة فالمقصود فائت، ومن ذلك ما روى عن كعب : لا تحقروا شيئاً من المعروف، فإن رجلاً دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة.
وعن عائشة :"كانت بين يديها عنب فقدمته إلى نسوة بحضرتها، فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك العنب فضحك بعض من كان عندها، فقالت : إن فيما ترون مثاقيل الذرة وتلت هذه الآية" ولعلها كان غرضها التعليم، وإلا فهي كانت في غاية السخاوة.


الصفحة التالية
Icon