" من عمل منكم خيراً فجزاؤه في الآخرة ومن عمل منكم شراً يره في الدنيا مصيبات وأمراضاً ومن يكن فيه مثقال ذرة من خير دخل الجنة " ومنهم من قال المراد من رؤية ما يعادل ذلك من الخير والشر مشاهدة نفسه عن غير أن يعتبر معه الجزاء ولا عدمه بل يفوض كل منهما إلى سائر الدلائل الناطقة بعفو صغائر المؤمن المجتنب عن الكبائر وإثابته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه وبه يشعر ما أخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس من قوله في الآية ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً وشراً في الدنيا إلا أراه الله تعالى إياه فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر له من سيئاته ويثيبه بحسناته وأما الكافر فيريه حسناته وسيئاته فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته واختار هذا الطيبي فقال إنه يساعده النظم والمعنى والأسلوب أما النظم فإن قوله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ ﴾ الخ تفصيل لما عقب به من قوله سبحانه :﴿ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أعمالهم ﴾ [ الزلزلة : ٦ ] فيجب التوافق والأعمال جمع مضاف يفيد الشمول والاستغراق ويصدر الناس مفيد بقول عز وجل :﴿ أَشْتَاتاً ﴾ فيفيد أنهم على طرائق شتى للنزول في منازلهم من الجنة والنار بحسب أعمالهم المختلفة ومن ثم كانت الجنة ذات درجات والنار ذات دركات وأما المعنى فإنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها كقوله تعالى :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ] وأما الأسلوب فإنها من الجوامع الحاوية لفوائد الدين أصلاً وفرعاً روينا عن البخاري ومسلم عن أبي هريرة سئل رسول الله ﷺ عن الحمر أي عن صدقتها قال لم ينزل على فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة أي المتفردة في معناها فتلاها عليه الصلاة والسلام وروى الإمام