قوله تعالى :﴿ وإنه ﴾ يعني : الإنسان ﴿ لحبِّ الخير ﴾ يعني : المال ﴿ لشديدٌ ﴾.
وفي معنى الآية قولان.
أحدهما : وإنه من أجل حُبِّ المال لبخيلٌ، هذا قول الحسن، وابن قتيبة، والزجاج.
قال أبو عبيدة : ويقال للبخيل : شديد، ومُتَشَدِّدٌ.
قال طرفة :
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي...
عَقِيلَةَ مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ
والثاني : وإنه للخير لشديد الحبِّ، وهذا اختيار الفراء.
قال : فكأن الكلمة لمَّا تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إليه "شديد"، حذف الحبّ من آخره لما جرى ذكره في أوله، ولرؤوس الآي.
ومثله ﴿ اشتدت به الريح في يوم عاصف ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره.
قوله تعالى :﴿ أفلا يعلم ﴾ يعني : الإنسان المذكور ﴿ إذا بُعْثِرَ ما في القبور ﴾ أي : أُثير وأُخرج ﴿ وحُصِّل ما في الصدور ﴾ أي : مُيِّز واستُخرج.
والتحصيل : تمييز ما يحصل.
وقال ابن عباس : أُبرز ما فيها وقال ابن قتيبة : مُيِّزَ ما فيها من الخير والشر.
وقال أبو سليمان الدمشقي : المعنى : لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر، وبادر إلى الإسلام.
ثم ابتدأ فقال تعالى :﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾ وقال غيره : إنما قرئت "إن" بالكسر لأجل اللام، ولولاها كانت مفتوحة بوقوع العلم عليها.
فإن قيل : أليس الله خبيراً بهم في كل حال، فلم خص ذلك اليوم؟
فالجواب أن المعنى : أنه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، ومثله ﴿ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ﴾ [ النساء : ٦٣ ]، ومعناه : يجازيهم على ذلك، ومثله :﴿ يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ﴾ [ غافر : ١٦ ]. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٩ صـ ٢٠٦ ـ ٢١٢﴾


الصفحة التالية
Icon