وإذا لم يكن الرجل هشا منبسطا عند الإنفاق يسمى شديدا عبوسا ولهذا هدده اللّه وأوعده بقوله "أَ فَلا يَعْلَمُ" هذا البخيل مغبة بخله "إِذا بُعْثِرَ" بعث "ما فِي الْقُبُورِ ٩" من الموتى واخرجوا من برزخهم وأبرزوا للحساب والجزاء وزيدت الراء في بعثر لأن قيامهم من القبور يكون بعد بعثرة اجزائهم وتفتتها كالتراب، وعبر عن المبعوثين بلفظ ما دون من ليعم الإنسان وغيره من سائر الحيوان "وَحُصِّلَ" أظهر وجمع "ما فِي الصُّدُورِ ١٠" من الخير والشر الكامن فيها وميز بينهما
"إِنَّ رَبَّهُمْ" أي أولئك المبعوثون من أجداثهم "بِهِمْ يَوْمَئِذٍ" يوم إخراجهم من قبورهم يوم القيامة وأفرازهم عن بعضهم يوم يقول اللّه جل قوله :
(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٥٩ من سورة يس الآتية "لَخَبِيرٌ ١١" بما عملوه في دنياهم لا يخفي عليه شيء منه فيجازيهم بحسبه وخص أعمال القلوب بالذكر دون الجوارح لأن أعمالها تابعة لها فلو لا البواعث والواردات في القلب لما حصلت أعمال الجوارح، هذا وأن ما أخرجه البزار وغيره عن ابن عباس من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بعث خيلا ولبث شهرا لا يأتيه خبر عنها فنزلت هذه السورة لا قيمة له إلا أن يقال تلاها حينذاك لأن هذه السورة مكية، وبعث السرايا لم يكن إلا
في المدينة بعد الهجرة فلا مجال للقول بصحته من جهة النزول أما التلاوة فنعم.
هذا، واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ١ صـ ١٦٥ ـ ١٦٨﴾