ولما كانت دالة على الضابحات بالالتزام، قال ناصباً به أو ب " تضبح " مقدراً :﴿ضبحاً﴾ والضبح صوت جهير من أفواهها عند العدو الشديد، ليس بصهيل ولا حمحمة ولا رغاء وهو النفس، وليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب، وأصله للثعلب واستيعر للخيل، وحكاه ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فقال : أح أح، أو الضبح عدو دون التقريب.
ولما ذكر عدوها، أتبعه ما ينشأ عنه، فقال عاطفاً بأداة التعقيب لأن العدو بحيث يتسبب عنه ويتعقبه الإيراء :﴿فالموريات﴾ أي المخرجات للنار بما يصطك من نعلها بالأحجار، لا سيما عند سلوك الأوعار.
ولما كان الإيراء أثر القدح قال :﴿قدحاً﴾ أي تقدح ضرباً بعنف كضرب الزند ليوري النار، ونسب الإيراء إليها لإيجادها صورته وإن لم يكن لها قصد إليه.
ولما ذكر العدو وما يتأثر عنه، ذكر نتيجته وغايته فقال :﴿فالمغيرات﴾ أي بإغارة أهلها عليها على العدو والإغارة والركض الشديد لإرادة القتل والنهب.
ولما كانت الإغارة الكائن عنها الثبور والويل أروع ما تكون في أعقاب الليل قال :﴿صبحاً﴾ أي ذات دخول في الصباح.
ولما كان الأعداء حال الإغارة يكون مختلفاً تارة يميناً وتارة شمالاً وتارة أماماً وتارة وراء بحسب الكر والفر في المصاولة والمحاولة تارة أثر الهارب، وأخرى في مصاولة المقبل المحارب، فينشأ عنها الغبار الكثير لإثارة الهواء له واصطدام بعضه ببعض لتعاكسه بقوة الدفع من قوائمها وما تحركه منه، وكان المقسم به منظوراً فيه إلى ذاته ونتيجة القسم منظوراً فيها إلى الفعل بادىء بدء مع قطع النظر بالأصالة عن الذات، عطف على اسم الفاعل بعد حله إلى أن وصلتها فقال :﴿فأثرن به﴾ أي بفعل الإغارة ومكانها وزمانها من شدة العدو ﴿نقعاً﴾ أي غباراً مع الاعناق والصياح والزجر بالعنق حتى صار ذلك الغبار منحبكاً ومنعقداً عليها.


الصفحة التالية
Icon