فشبهت هذه النار التي تنقدح من حوافر الخيل بتلك النار التي لم يكن فيها نفع ومن الناس من يقول : إنها نعل الحديد يصك الحجر فتخرج النار، والأول أبلغ لأن على ذلك التقدير تكون السنابك نفسها كالحديد وثالثها : قال قوم : هذه الآيات في الخيل، ولكن إبراؤها أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم، كما قال تعالى :﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله﴾ [ المائدة : ٦٤ ] ومنه يقال للحرب إذا التحمت : حمي الوطيس وثالثها : هم الذين يغزون فيورون بالليل نيرانهم لحاجتهم وطعامهم ﴿فالموريات﴾ هم الجماعة من الغزاة ورابعها : إنها هي الألسنة توري نار العداوة لعظم ما تتكلم به وخامسها : هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة، روي ذلك عن ابن عباس، ويقال : لأقدحن لك ثم لأورين لك، أي لأهيجن عليك شراً وحرباً، وقيل : هو المكر إلا أنه مكر بإيقاد النار ليراهم العدو كثيراً، ومن عادة العرب عند الغزو إذا قربوا من العدو أن يوقدوا نيراناً كثيرة، لكي إذا نظر العدو إليهم ظنهم كثيراً وسادسها : قال عكرمة : الموريات قدحاً الأسنة وسابعها :﴿فالموريات قَدْحاً﴾ أي فالمنجحات أمراً، يعني الذين وجدوا مقصودهم وفازوا بمطلوبهم من الغزو والحج، ويقال للمنجح في حاجته : وروي زنده، ثم يرجع هذا إلى الجماعة المنجحة، ويجوز أن يرجع إلى الخيل ينجح ركبانها قال جرير :
وجدنا الأزد أكرمهم جوادا.. وأوراهم إذا قدحوا زناداً
ويقال : فلان إذا قدح أورى، وإذا منح أورى، واعلم أن الوجه الأول أقرب لأن لفظ الإيراء حقيقة في إيراء النار، وفي غيره مجاز، ولا يجوز ترك الحقيقة بغير دليل.
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)


الصفحة التالية
Icon