و"قَدْحاً" انتصب بما انتصب به "ضَبْحاً".
وقيل : هذه الآيات في الخيل ؛ ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوّهم.
ومنه يقال للحرب إذا التحمت : حَمِيَ الوَطِيسُ.
ومنه قوله تعالى :﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ﴾ [ المائدة : ٦٤ ].
وروي معناه عن ابن عباس أيضاً، وقاله قتادة.
وعن ابن عباس أيضاً : أن المراد بالمُوريات قَدْحاً : مَكْرُ الرجال في الحرب ؛ وقاله مجاهد وزيد بن أسلم.
والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكُرنَّ بك، ثم لأُورِيَنَّ لك.
وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزُون فيُورون نيرانهم بالليل، لحاجتهم وطعامهم.
وعنه أيضاً : أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً.
وكل من قرب من العدوّ يُوقد نيراناً كثيرة ليظنهم العدوّ كثيراً.
فهذا إقسام بذلك.
قال محمد بن كعب : هي النار تجمع.
وقيل : هي أفكار الرجال تُورِي نار المكر والخديعة.
وقال عكرمة : هي أَلْسنة الرجال تُورِي النار من عظيم ما تتكلم به، ويَظْهر بها، من إقامة الحُجج، وإقامة الدلائل، وإيضاح الحق، وإبطال الباطل.
وروى ابن جُريج عن بعضهم قال : فالمُنجِحات أَمْرا وعملاً، كنجاح الزند إذا أوري.
قلت : هذه الأقوال مجاز ؛ ومنه قولهم : فلان يُورِي زِناد الضلالة.
والأوّل : الحقيقة، وأن الخيل من شِدّة عدوِها تقدح النار بحوافرها.
قال مقاتل : العرب تسمي تلك النار نار أبي حُباحِب، وكان أبو حُباحِب شيخاً من مُضَر في الجاهلية، من أبخل الناس، وكان لا يُوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون، فيوقِد نُويرةً تقِد مرّة وتخمد أخرى ؛ فإن استيقظ لها أحد أطفأها، كراهية أن ينتفع بها أحد.
فشبهت العرب هذه النار بناره ؛ لأنه لا يُنتفع بها.
وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً، فكذلك يسمونها.
قال النابغة :
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنّ سُيوفهم...