وتقديم ﴿ لربه ﴾ على عامله المقترن بلام الابتداء وهي من ذوات الصدر لأنهم يتوسعون في المجرورات والظروف، وابنُ هشام يرى أن لام الابتداء الواقعة في خبر ( إنَّ ) ليست بذات صدارة.
وضمير ﴿ وإنه على ذلك لشهيد ﴾ عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور.
والشهيد : يطلق على الشاهد وهو الخبر بما يُصدَّق دعوى مدع، ويطلق على الحاضر ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه.
والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في "أشْهد أن لا إله إلا الله".
والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإِقرار، وذلك في فلتات الأقواللِ مثل قول المشركين في أصنامهم :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ].
فهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يُعبد وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها، أليس هذا كنوداً لربهم، قال تعالى :﴿ وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ]، وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي.
والمقصود من هذه الجملة تفظيع كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله.
وعلى هذا فحرف ﴿ على ﴾ متعلق ب"شهيد" واسم الإِشارة مُشار به إلى الكُنود المأخوذ من صفة "كَنود".
ويجوز أن يكون "شهيد" بمعنى ( عليم ) كقول الحارث بن حِلَّزة في عمرو بن هند :
وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْ
م الخيَارَيْننِ والبَلاء بَلاء...


الصفحة التالية
Icon