هذا هو المشهد الأول للقارعة. مشهد تطير له القلوب شعاعا، وترجف منه الأوصال ارتجافا. ويحس السامع كأن كل شيء يتشبث به في الأرض قد طار حوله هباء ! ثم تجيء الخاتمة للناس جميعا :
(فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه ؟ نار حامية !).
وثقل الموازين وخفتها تفيدنا : قيما لها عند الله اعتبار، وقيما ليس لها عنده اعتبار. وهذا ما يلقيه التعبير بجملته، وهذا - والله أعلم - ما يريده الله بكلماته. فالدخول في جدل عقلي ولفظي حول هذه التعبيرات هو جفاء للحس القرآني، وعبث ينشئه الفراغ من الاهتمام الحقيقي بالقرآن والإسلام !
(فأما من ثقلت موازينه)في اعتبار الله وتقويمه(فهو في عيشة راضية).. ويدعها مجملة بلا تفصيل، توقع في الحس ظلال الرضى وهو أروح النعيم.
(وأما من خفت موازينه)في اعتبار الله وتقويمه (فأمه هاوية).. والأم هي مرجع الطفل وملاذه. فمرجع القوم وملاذهم يومئذ هو الهاوية ! وفي التعبير أناقة ظاهرة، وتنسيق خاص. وفيه كذلك غموض يمهد لإيضاح بعده يزيد في عمق الأثر المقصود :
وما أدراك ما هيه ؟..
سؤال التجهيل والتهويل المعهود في القرآن، لإخراج الأمر عن حدود التصور وحيز الإدراك !
ثم يجيء الجواب كنبرة الختام :
نار حامية..
هذه هي أم الذي خفت موازينه ! أمه التي يفيء إليها ويأوي ! والأم عندها الأمن والراحة. فماذا هو واجد عند أمه هذه.. الهاوية.. النار.. الحامية !!
إنها مفاجأة تعبيرية تمثل الحقيقة القاسية !. أ هـ ﴿الظلال حـ ٦ صـ ٣٩٦٠ ـ ٣٩٦١﴾