الميزانَ لا يتوصلُ بهِ إلا إِلى معرفةِ مقاديرِ الأجسامِ فكيفَ يمكنُ أن يعرفَ به مقاديرُ الأعمالِ التي هيَ أعراضُ منقضيةٌ وقيلَ : إن الأعمالَ الظاهرةِ في هذهِ النشأةِ بصورٍ عريضةٍ تبرزُ في النشأةِ الآخرةِ بصورٍ جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحُسْنِ والقُبحِ وقد رُوي عنْ ابن عباسِ رصيَ الله عنهما أنَّه يُؤتى بالأعمالِ الصالحةِ على صُورٍ حسنةٍ وبالأعمالِ السيئةِ على صورٍ قبيحةٍ فتوضعُ في الميزانِ أيْ فمَنْ ترجحتْ مقاديرُ حسناتِه.
﴿ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ أي ذاتُ رِضا أو مرضيةٍ ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه ﴾ بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ترجحت سيئاته عاى حسناته ﴿ فَأُمُّهُ ﴾ أيْ فمأواهُ ﴿ هَاوِيَةٌ ﴾ هيَ من أسماءِ النارِ سميتْ بَه لغايةِ عُمْقِها وبعدِ مَهْواها.
رُوىَ أنَّ أهلَ النارِ تهوِي فيها سبعينَ خريفاً وقيلَ إنها اسمٌ للبابِ الأسفلِ مِنْهَا وعبرَ عنِ المأْوى باللامِ لأَنَّ أهلَها يأوونَ إليَها كما يأوِي الولدُ إلى أمِه وعنْ قتادةَ وعكرمةَ والكبيِّ أنَّ المعنى فأُمُّ رأسِه هاويةٌ في قعرِ جهنَم لأنَّه يطرحُ فيهَا منكوساً والأولُ هو الموافقُ لقولِه تعالَى :﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ فإنه تقريرٌ لهَا بعدَ إبهامِها والإشعارِ بخروجِها عنِ الحدودِ المعهودةِ للتفخيمِ والتهويلِ وهيَ ضميرُ الهاويةِ والهاءُ للسكتِ وإذَا وصلَ القارىءُ حذفَها وقيلَ : حقُّه أنْ لا يُدرجَ لئلا يسقطَها الإدراجُ لأنها ثابتةٌ في المصحفِ وقد أجيز إثباتُها مع الوصلِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾