وقال ابن عاشور :
﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) ﴾
تفصيل لما في قوله :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾ [ القارعة : ٤ ] من إجمال حال الناس حينئذ، فذلك هو المقصود بذكر اسم الناس الشامل لأهل السعادة وأهل الشقاء فلذلك كان تفصيله بحالين : حال حَسَن وحال فظيع.
وثقل الموازين كناية عن كونه بمحل الرضى من الله تعالى لكثرة حسناته، لأن ثقل الميزان يستلزم ثقل الموزون وإنما توزن الأشياء المرغوب في اقتنائها، وقد شاع عند العرب الكناية عن الفضل والشرف وأصالة الرأي بالوزن ونحوهِ، وبضد ذلك يقولون : فلان لا يقام له وزن، قال تعالى :﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ﴾ [ الكهف : ١٠٥ ]، وقال النابغة :
وميزانه في سُورة المجد مَاتِع
أي راجح وهذا متبادر في العربية فلذلك لم يصرح في الآية بذكر ما يُثقل الموازين لظهور أنه العمل الصالح.
وقد ورد ذكر الميزان للأعمال يوم القيامة كثيراً في القرآن، قال ابن العربي في "العواصم" : لم يرد حديث صحيح في الميزان.
والمقصودُ عدم فوات شيء من الأعمال، والله قادر على أن يجعل ذلك يوم القيامة بآلة أو بعمل الملائكة أو نحو ذلك.
والعيشة : اسم مصدر العَيش كالخِيفة اسم للخوف.
أي في حياة.
ووصف الحياة بـ ﴿ راضية ﴾ مجاز عقلي لأن الراضي صاحبها راض بها فوصفت به العيشة لأنها سبب الرضى أو زمان الرضى.
وقوله :﴿ فأمه هاوية ﴾ إخبار عنه بالشقاء وسوء الحال، فالأم هنا يجوز أن تكون مستعملة في حقيقتها.
وهاوية : هالكة، والكلام تمثيل لحال من خفّت موازينه يومئذ بحال الهالك في الدنيا لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير والشر لشدة محبتها ابنها فهي أشد سروراً بسروره وأشد حزناً بما يحزنه.